تتموقع ولاية خنشلة في قلب الاوراس، وتتميّز بتضاريسها الوعرة وبغزارة ثلوجها شتاء ،والمناظر الخلّابة ربيعا وصيفا.يمتاز شعبها بالكرم والجودوالإيباء والأنفة. ويقطنها [الشاويّة] وهم ذوو أصول أمازيغيّة نوميديّة. خـنشـلة قـبل الاحتلال الـرّومـانـي : وجــدت بالـموقــع الذي تحتـلّه حـاليـا خــنشـلة مدينـة عـرفـت فـي العــصـور القديمـة باسم " مـاســكـولا " « MASCULA » وهـذا مـا يـفيـدنـا بـه دليـل رحـلة أنطـونـينـوس أوغوســطوس "itinerarium antonini augusti " وكـتابـات رجـال الكـنيسـة أمـثال اوبـطـاتـوس الميـلي والأسقف أوغوسـطـينـوس وتأكّـده نـقـيشـة عـثـر عـلـيها فـي النّـصف الـثّانـي من القـرن المـاضـي يـتـجّـلى مـن خـلالـها أن مـاسـكولا كـانت فـي القـرن الـرّابـع تـابـعـة لـمقـاطـعـة نـومـيـديّـة القـسـنـطـينـيّة "Provinciae Numidiae Constantinae ". كـما عـرفـت المديـنة ابتداء مـن الـرّبـع الأخـيـر للـقرن الـسادس باسم مـاسـكولا تيـبـريـا "Mascula Tiberia" هـذا اللّقـب الذي حـصلت عـلـيه مـابيـن سـنة 578 و 582 عـنـدمـا أعـيـد بـنـاء أسوارها خـلال الـثّـورة الّتي تـزعـّمـها الـموريـون بـقيـادة : نلـكهم قـاسمول "Gasmul
ومـمّا تـجـدر الإشـارة إليـه أن التّـاريـخ القـديم لـخـنـشـلة " Mascula" ولاسـيما الفـتـرة الـسابـقة للاحتلال الـرّومـانـي لا يـزال مـجـهولًا ،إلّا أنّ بعض الحوارات التي أجريت مع الدّكتور يحيا بوعزيز يؤكّد أنّ في تلك الفترة كانت خنشلة من أقوى الولايات النّوميدية حيث كانت تضمّ رجالا كبارا يوصفون آنذاك بالنّبلاء وهم عليّة القوم :أمراء جيوش وملّاك اقطاعيّين وهذا ما تدلّ عليه بعض النّقوش الحجريّة المكتشفة أخيرا حتّى أنّه في وقت من الأوقات كان يُخشى منها أن تنفصل لتكون دولة مستقلّة, كما أنّ أمراءها المعرفون في المنطقة بالرّيغة righat وهم أصلا منحدرون من قبائل الزناتة فكّروا عدّة مرّات بالخروج على مملكة النّوميديّين وكانت لهم مناوشات معها, إلّا أنّ حكمة بعض الأعيان حالت دون الانقسام لأن ثلث جيش نوميديا كان من قبائل الشاويّة المتعدّدة, ولا تزال سيرة الإنتماءالى الجيش أساسيّة ومقدّسة في أبنائهم إلى اليوم, وعلى سبيل الذكر يذكر بعض علماء التاريخ أنّ مملكة واد ريغ المقامة في ورقلة في العصور السّابقة ماهي إلّا محاولة لبعض الأمراء الرّيغة في إنشاء مملكة مستقلة تجمعهم كعرق واحد ولكن للأسف لم تعمر طويلا ،والقليل من الأمراءالباقون توجّهوا إلى مدينة مزلوق (قرب مدينة سطيف حاليا وأسّسوا مدينة كبيرة ولكن تحت السّلطة النّوميديّة دائما ولم يشقّوا عصى الطّاعة, ثمّ اّتّجهوا جنوبا إلى قصر الأبطال من نفس الولاية ولم يذكر التّاريخ عن هذه العائلات إلا القليل في بعض الكتب التّركية والفرنسيّة, وذُكرت منها بعض الألقاب مثل لقب : رزايميّة والّذي في الأصل هو ريزاميه rizamihe ولقب : درمان وهو في الأصل دورغومان dorgouman ،ومنها أيضا عائلة الأمراء المنقرضة والتي كانت تفرّ بجلدها من بلد إلى بلد, والّتي كان منها أمراء الجيوش.وأقسم الشّاوية بأن ينصّبوا قائدها ملكاعليهم إن أسّسوا مملكة، قائد هذه العائلة هو المسمّى فريدهان ألقاتهن al-leggathhen vridhanne ,وتلقّب هذه العائلة حاليًّا ب "لقاط" وهم ينتشرون بين سطيف وبرج بوعريريج أين انتهى فرار الأجداد بهم،-كما أنّ فرنسا إبّان سنوات تدميرها للجزائر. كان للجنرال سالان وهو أحد الانقلابيّين منجّم, يرافقه دوما كما هو حال السياسيّين، حذّره هذا الأخير بأنّ مجد نوميديا سيعود على يد ابن لفريدهان يسمّى باسم كاسمه, ولقب كلقبه, يضمّ كل شمال إفريقا بالقوّة, ملكه يدوم أربعين عاما, يُخضع فيها البحر الأبيض بأكمله. يظهر حين يكثر الدّم في الهضاب العليا، صفته كجدّه عصبي, يتعصّب لرأيه ويميل للمواجهة مع الخصوم, وفيّ لبلده وفاء منقطع النّظير, يدعمه جنرال مثلك يتهم بقتل النّاس وحكم البلاد من وراء السّتار يتقابلان لقدر معلوم, لأنّ بداية تمرّسهما في السياسة تكون من الشّرق من مملكة السّنوسيّين, سيكون له بمثابة الأب ويمكّنه ويعينه على الحكم، يرعاه كولد له ويترك البلاد بين يديه قبل أن يموت. سالان حينما سمع هذا الكلام قال ليتني كنت أنا هو - اقرؤوا مذكرات ابنت سالان-.ومع هذه الأطروحة أو الفرضيّة الّتي تتكلّم عن عودة الأمير القيصر البربري والّتي نتمنّا أن تكون صحيحة ونتمسك بها كأمل إلا أنّنا في حقيقة الواقع سرعان ما نصطدم بفراغ كبير في المادّة التّاريخيّة حول الفترة الفاصلة بين العصور القديمة وبداية الاحتلال الرّوماني، هذا الفراغ الّذي يعود إلى عدم اهتمام الكتّاب القدامى والباحثين بـهذه الـمرحـلة الـتّاريـخـيّـة الهـامّـة مـن تـاريـخـنا الـوطــني المعـروفـة بـعهـد الممـالـك المـسـتـقـلّـة حـيـن كـانت السـّيادة الـنّومـيديـة واللّـوريـة قـد فـرضـت تـواجـدهـا عـلى الـسّاحـة الدّولـيّة، بـحـيـث أنّ الكـتّاب القـدامى الّذيـن كـتـبوا عـن بـلاد المـغـرب القـديـم مـثل الباحـثـين
اهتمّوا بالدّرجـة الأولـى بالأحـداث الّتي لـها عـلاقـة بالتـّاريـخ الـرّومـانـي.هـذا وارتكب الباحـثـون الّذيـن قـامـوا بالتّقنـينات فـي القـرن المـاضـي سـواء عـمدا (ربما خوفا من أن تشيع الأسطورة فتحيا فينا النخوة النوميدية)أو بـدون قصد، وكلاهما جـريـمة فـي حـقّ الـتّاريـخ المحـلّي ،وذلك بإهـمالـهم لـكلّ مـا هـو غـير رومـانـي، مـمّا جـعـل البـقايا الأثـريـّة الدّالـة عـلى وجـود حـضارة محـلـيّة بالكـثـير مـن المـواقــع الأثـريّـة عـرضـة للنّهب والضّـياع.وتـسـبّب فـي وجـود هذه الحـلقـة المـفرغـة التي تـعانـي مـنها، وكـانت خـنشـلة مـثـلـها مـثل الكـثـير من المدن الجـزائـريّـة انتقلت مـباشـرة مـن العـصور الحجـريّـة إلـى العـهد الـرومـانـي، وهـذا يتــنـافـى تـماما مـع المنـطق الـتّاريـخي الـقائـم عـلى التّـواصـل الحـضاري للـشـّعوب.