رحلة إلى ما بعد الموت..

.

رحلة إلى ما بعد الموت..

..

فتح عينيه..فركهما بشدة عله يستطيع النظر جيدا لما حوله..لقد بقي على
هذه الحال مدة طويلة..هو لا زال يشعر بالنعاس.. على الرغم من أنه نام
طويلا...استيقظ من نومه ويا ليته لم يفعل..وجد نفسه وسط زحمة شديدة من
الناس.. انه الحر..الحرُ الشديد ..ورائحة العرق تكاد تخنق الأنفاس.. فوضى
تملأ المكان: صراخ وعويل ..واستنجاد..أما هو فلا زال يعارك وسط الزحام..أين
تختلف الاطراف..عله يجد مخرجا إلى مكان به شيء من أكسجين ..أو
ماء.العطش..يكاد يبلع لسانه من شدة العطش..الكل هنا..في حاجة
للماء..وللهواء..ماء..ماء..مااااااااااااااء.. تكاد هذه الكلمة تنفرد
بالصراخ في هذا المكان..لا زال يحاول الخلاص..لكن الجميع يريد ذلك..فالجميع
أتى من مكان واحد، ولا يعلم إل أين يذهب..زحام شديد يخنق الأنفاس..هو لم
يعتد على هذا النوع من الزحام..صحيح انه كان لا يخرج في المدينة إلا وقد
تجمهر حوله أناس من جميع الشعاب..لملاقاته، وتحيته، والتصفير له ..احتفاء
به..الجميع هناك يعرفه..لا يوجد أحد في المدينة إلا وقد سمع عنه وعن ماله
وجاهه وجماله ..وصيته..الجميع يصفقون له ويهتفون ..ولكنهم كانوا يفعلون ذلك
من وراء سياج طوقه رجال الأمن حولهم حتى لا يقتربوا منه أكثر.. فيؤذوه من
شدة الإعجاب..كما كان يرافقه ثلاثة من الأشداء ..يحمونه..ويؤمنون له
الطريق..أما شأنه اليوم فهو مختلف تماما..لا أحد يحييه أو يصفق له أو حتى
ينظر اليه..هو يعرف كل واحد منهم ..ويذكرهم لما كانوا يهرعون
لرؤيته..ويتسابقون لخدمته..الحر في تزايد مستمر..و كأن الشمس اقتربت حتى
دنت من رؤوسهم..فأغرقت الجميع في العرق..منهم من بلله العرق حتى وصل إلى
بطنه..ومنهم من ارتفع إلى ذقنه ..ومنهم ..من ابتلعه عرقه..لا زال يسير وسط
الزحام..وبينما هو يسير ..اذ لمح سربا من الأطفال المجنحين يطيرون في
سعادة..استوقف أحدهم للسؤال..لقد كان قمرا يشع نورا وجمالا..سأله: أين
تذهبون..؟ فأجاب في سعادة: ألا تعلم نحن ذاهبون إلى الجنة..دعني أرحل أرجوك
أنت تعطلني ..أنا في لهف للقائها..ثم عاد فاستوقفه بإلحاح: ونحن..متى نذهب
للجنة..فأجاب: أنتم..أظنكم من الجماعة التي ستعرض للحساب..ثم رحل في عجل
وهو يغرد مع سرب الأطفال الذاهبين إلى الجنة.....لا زال يسير وهو يتمتم في
جنون: ماء ..أريد ماء..ماء..لقد أرهقه العطش..والعرق..وشدة الزحام..حتى
اسود وجهه من شدة التعب..وفجأة ..خف الزحام..وهدأت أصوات الصراخ
والعويل..لعل موجة من اليأس انتابت الجميع..أما هو فقد خارت قواه..ما كان
له الا أن يلقي بجسمه المنهك على الأرض طلبا للراحة ..والأمان..وبينما هو
كذلك..اذ سمع صوتا يناديه باسمه.._ من ..من يناديني..؟ اقترب صاحب الصوت
منه شيئا فشيئا..نظر إليه وقال: أتعرفني يا هذا.؟_ متى وصلت إلى هنا؟ أظنك
حديث عهد بالمكان..أنا لم أرك هنا من قبل.._ من أنت..من أنت.._ يبدو عليك
الذعر والقلق..لا تخف، ستتعود على المكان..هكذا كانت حالي عندما إلى هنا
جئت لأول مرة.._ ماذا عندما جئت إلى هنا..منذ متى وأنت هنا..؟_ أنا..لي
سنوات هنا..وأنت ما السبب الذي جاء بك إلى هنا..أهو أحد المعجبين..أودى بك
إعجابه..لطالما سمعنا عن أحد المشاهير ..قتله معجبوه..وبينما كانا يتبادلان
الكلام..حتى مر فتية حسان..تظلهم غمامة كبيرة ..لباسهم أبيض طويل..ويأكلون
كل ما يتمنون من فاكهة..وطعام..سأل في ذهول: من هؤلاء؟.._ ألم تسمع في
دنياك عن سبعة يظلهم الله يوم لاظل إلا ظله.. __ أظنني سمعت عنهم.._ فهؤلاء
إذا أحد السبعة الذين سمعت عنهم..ثم عاد ليكمل باقي الأسئلة التي
تحيره..إنه يريد أن يكتشف كل شيء عن هذا المكان المريب.._ ألا يوجد ماء
هنا؟.._ ماء..هاها..أتعلم أنني لم أذق الماء منذ أن وصلت إلى هنا..حتى أنني
نسيته.._ يا إلهي ما الذي يجري هنا..حتى الماء لا يمكنني الحصول عليه.._
قد تحصل عليه يوما ما ..إن كنت فعلت في دنياك شيئا يشفع لك في ذلك..ولو كان
تسبيحة أو تهليلة.._ وأنت ألم تفعل شيئا يشفع لك في ذلك؟.._ لا زلت أنتظر
..مع أنني لا أظن أنني سأجده فأنا إنسان عاش في دنياه على السرقة
..والجرم..ولا أظنني فعلت خيرا..يؤهلني لشرب الماء يوما ما كما أنني لا
اذكر أنني توجهت للقبلة يوما..هنا يا صاحبي كل شيء بميزان..فعلت خيرا تجد
خيرا..فعلت شرا تجد شرا..وفجأة..مرت امرأة حسناء تبدو في الثلاثين من
عمرها..ما إن رآها حتى صاح في ذهول:أمي أمي ..فأجابته في حنين: ولدي..اشتقت
إليك كثيرا.._ أمي لقد تغيرت كثيرا..أصبحت جميلة..وصغيرة.._ آه يا ولدي
لقد تعبت كثيرا في دنياي..أفلا يحق لي أن أرتاح اليوم.._ معك حق..لا زلت
أذكر أيام كنت تحيين الليل صلاة..وتسبيحا..أيام كنت أغط في نومي..أو أبيت
سهرانا مع الكأس والأنغام..مع رفاق ال... آه لو أستطيع العودة..لغيرت كل
الذي فعلت بنفسي.._ لطالما حذرك يا بني..لكنك لم تكن لتلقي بالا لنصحي..بل
كان يصل بك الأمر أحيانا على ضربي أو الصراخ في وجهي...قاطعها باكيا..كنت
غافلا..كنت أحمقا ..يا ليتني أعود ..يا ليتني أعود..فأصحح ما
اقترفت..اقتربت منه أمه في هدوء ..وربتت على كتفه ..فهرع لعناقها..والدموع
تملأ عينيه..مسحت دموعه وقالت ..لا عليك يا بني ..إنه منام مزعج ..انهض
واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.._ لا لا يا أمي..لم يكن حلما مزعجا.. لقد
رأيت الموت وها أنا ذا أعود ..لأغير حياتي من جديد..

منقووووووول

.مشكووووووووووور

الله يعطيك الف عافية

موضوع جميل