إشتَرَيتُ وَردَة جُورِيَّة حَمرَاء اللون..أسَرنِي جَمَالُهَا الخَلاّب
وَسَيطَرَت على كُلمَشَاعرِي الرِّقرَاقَة وَأحَاسِيْسِي المُتَدَفِّقَة ..
حملتها معي بكل عناية وحُرص .. وكلِّي سعادة بها ولكن لسوء الحظ نسيتها
في السيارة ولم أنتبه لها الاّ في اليوم التالي صباحاً ..
وحينها لم اصدق نفسي ذُهِلت حينَ رأيتها .
لا لا انها ليست التي اشتريتُها .
لقد كانت ذابلة جداً وباهتة .
وتكادُ تلفظ انفاسها الاخيرة .
لقد كانت اشبه بطفل يتيم مكسور الخاطر منزوِي في ركن قصيّ !!
كانت منهكة القوى .. اشبه بانسان من صحراء قاحلة ..
لم يرتوي منها ماء ..او يأكل زاداً منذ ايام؟
كانت وانا اتأمّلها تنظُر اليّ نظرات كلها عتاب كأنها تقول لي هل اصبحت رخيصة
لهذه الدرجة كي تنسيني.. هل هناك من هو اهم مني لتفكري به وتنسيني؟
ابهذه السُّرعة تتخلَّين عني .. ولم ارتوي من حنانك بعد؟
فقط تخيل نظراتها !!
هذه النظرات المعبرة .. وتلك العبارات المؤثرة .. جعلتني اشعر بالذنب تجاهها
وأحزن لأجلها ولم اتمالك نفسي الاّ وانا آخذها اليَّ وأضُمّها الى صدري .
وأطبطبُ عليها تماماً كأمٍ حنون رؤوف .. تضُم طفلها الصغير الى صدرها .
لتحضنه بقوة بعد ان كادت تفقده!
هذا الوضع الذي وصلت اليه تلك الوردة جعلني اخذها من فوري بكل حنان
ورفق وأضعها في وِعَاء من الماء .. بالقُرب من هواء طبيعي وأنا اشعُرها .
بأنها ليست لوحدها وأن كل شيء يمكن ان يعوَّض!!
وما هي الاّ لُحَيظَات حتى بدأت الحياة تدبُّ في عروقها ..
بدأ غصنها الذابل ينهضُ من جديد..وان كان بشكل متثاقل .. هكذا كنت اشعُر
وأنا اراقب تحركاتها ورغبتها الشديدة في الحياة!!
نعم..
لقد بدأت تستعيدُ نظرتها الجميلة ولكن كل المُؤشرات كانت تقول انها بحاجة
لمزيد من الوقت كي تستعيد عافيتها وهذا ما اراحني لان المسألة مسألة وقت ليس الاّ؟
اما دهشتي الكبيرة
فقد كانت في اليوم التالي..كنت قد نسيتها فعلاً.
ولكنني حينما استيقظتُ صباحاً.
كان منظراً آخر لقد وقع نظري على تلك الوردة الصغيرة الحَمرَاء ولم اصدقُ عيني؟
يا الهي ..
لقد تفتحت اوراقها بشكل مُذهِل..اصبحت اكثر جمالاً من ذي قبل ..أكثرُ نظارة!!
كانت تنظُر اليّ بابتسامة عريضة .. وكأنها تقول لي شكراً على اهتمامك بي ..
ارأيت ماذا حدث لي بسبب حرصك عليّ .. وإعتنائُكَ بي؟
ارأيت اين اوصلني كلامك الجميل لي .. ولمساتُكَ الحانية لي؟
بل ارأيت كيف استعدتُ الأمل .. بعد ان اشعرتني بحبك لي؟
في هذه اللحظات الجميلة ..
التي اشعرتني بأنني رسمت البسمة على شفتي وردة بسيطة وإدخال السعادة عليها
في هذه اللحظات بالتحديد فكرت ملياً وقلت في نفسي!!
يا سبحان الله ..
هذه الوردة الصغيرة ذبلت .. وكادت ان تموت لأنني نسيتُها ..
مجرد سُوَيعَات قليلة وأهملتها جزءاً من الوقت .. ولم أضعها في جوها الطبيعي
فما بالك
اذن بأشخاص آخرين في هذه الحياة يذبلون امام أعيننا يوماً بعد يوم ..
ونحن لا نستطيع ان نقدم لهم اي مساعدة ..
بل لا نرغب في ذلك؟
اشخاص لا ينقصهم سوى الحنان والعطف
ومع ذلك لا يجدونه حتى من اقرب الناس اليهم؟
فيا لهذه الوردة الجُوريَّة الجميلة كم ذكرتني بأمور هامة
كم اشعرتني ..
بأنني مقصرة بحَق ربِّي .. وَبِحق الآخرين من حولي .. ممن لهم حق علي .
وكم نبهتني الى ان بيدي الكثيرُ والكثير جداً ..
الذي بإمكانني ان أقدمه لأعز ما أملك
ولاحب الناس على قلبى
هذا الكثيرُ والكثير جداً
فماذا عساهُ ..
أن يكون الاّ حُبّاً وحناناً وعطفاً ومشاعراً صادقة
فهلاّ قدمنا لهم جُزءاً مِنه ؟