دروس عن التحكيم التجاري الدولي
فرع قانون العلاقات الاقتصادية الدولية
السنة الثالثة / السداسي الاول
تمهيد
يعتبر التحكيم التجاري الدولي من أهم المواضيع التي تشغل مكانا بارزا في الفكر القانوني و الاقتصادي على المستوى العالمي في الوقت الحالي ، فقد كثرت فيه المؤلفات ، و تواترت فيه الأحكام ، و أنشئت هيئات متخصصة فيه ذات أنظمة معترف بها دوليا ، و عنيت بتدريسه معاهد علمية و عقدت بشأنه معاهدات دولية للاعتراف بالأحكام الصادرة عن القضاة الوطنيين ، و أصبح العالم يموج بالتطورات حول هذا الموضوع إلى درجة تصعب متابعتها .
فمنذ القدم ، يجري الفصل في المنازعات بواسطة حكيم إلى جوار القاضي المنصب في كل الجماعات ، لهذا عرفه القانون الروماني و أوجده في القرون الوسطى كما أخذت به التقنيات الصادرة في القرن الماضي كوسيلة يباح الالتجاء إليها للفصل في منازعات مدنية و بالأخص التجارية منها .
و لقد أصبح التحكيم من مظاهر العصر لأهميته في المعاملات التجارية عموما ، سيما ما كان منها متميزا بطابع التخصص أو الصفة الدولية ، فالاعتبارات العلمية تدعو دائما إلى الاتفاق على التحكم ، لطرح النزاعات على أشخاص محل ثقة الخصوم – بدلا من طرحها على المحاكم المختصة – إما للاستفادة من خبرتهم الفنية ، و إما لتجنب مشاكل التنازع الدولي في القوانين ، و إما لتجنب علانية جلسات القضاء ، مع الاقتصاد في الجهد و النفقات و الوقت .
قال أرسطوط : " إن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع " .
و يرى الفقه المعاصر بأن تطور التحكيم التجاري و اتساع مجاله هو بمثابة رد فعل حرفية قانون القضاء ، و يعبر عن رغبة أطراف النزاع في التخلص منه كي تحل منازعاتهم طبقا لمبادئ أكثر رحابة من تلك التي يتضمنها القانون الوضعي .
يرى د/ أبوزيد رضوان – في مؤلفه الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي ( دار الفكر العربي ، القاهرة 1981 ص 21 ) – " أن التحكيم التجاري الدولي قد ارتبط بالتجارة الدولية و التبادل التجاري بين الشعوب و ازدهر بازدهار هذه التجارة ، حيث كانت المرتع الخصب لإنماء و تطوير قواعد التحكيم التجاري الدولي ، و نتيجة لزيادة معدلات التجارة الدولية و نموها و ازدهارها و اتساع أسواقها نتيجة لزيادة و سهولة المواصلات و الاتصال عبر القارات و انتشار العقود النموذجية و الشروط العامة لتسليم البضائع ، بدأت العلاقات التجارية الدولية تبتعد تدريجيا عن سيطرة قانون الوطن ، لتحكم أو تنظم بقواعد ذات منبع أو طابع مهني و قواعد عرفية ، حيث يلعب التحكيم التجاري الدولي دورا بارزا كوسيلة لتأكيد
قانون مجتمع تجاري على الصعيد الدولي ، و زيادة فعاليته ، حيث يعتق التجارة الدولية من الخضوع للقواعد الصماء فضلا عما يوفره من سرعة في حل المنازعات و الإبقاء على الوفاق بين الأطراف ، و عدم إفشاء أسرار المنازعات... " .
فالتحكيم التجاري الدولي قد اصبح ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية ، و لم يعد يقتصر على فض المنازعات بعد نشوبها ، بل أصبح أداة فعالة يجب استخدامها لتفادي قيام المنازعات أثناء إبرام العقود الدولية طويلة المدى التي تتعلق بالتصنيع ، أو نقل التكنولوجيا ، أو المشروعات المشتركة أثناء تنفيذ هذه العقود ، و لقد حضي التحكيم التجاري الدولي باهتمامات الدولة منذ ما يزيد عن نصف قرن فأبرمت بشأنه الكثير من الاتفاقيات و البروتوكولات الدولية .
تأسيسا على ما سبق بيانه يتضح أن التحكيم هو وسيلة فض نزاع قائم أو مستقبلي ، و يتضمن العزوف عن الالتجاء إلى القضاء المختص بشأنه و طرحه أمام أفراد و هم المحكمون أنيطت بهم مهمة نظره و الفصل فيه ، بناء على اتفاق بين المتنازعين على ذلك ، و التحكيم معناه رغبة الطرفين في عدم عرض نزاعهم على القضاء العادي في الدولة و رغبتهم في إقامة محكمة خاصة بهم يختارونها بأنفسهم و يحددون لها موضوع النزاع و القانون الذي يرغبون تطبيقه فيما بينهم ، فالمحكم ليس قاضيا مفروضا على الطرفين و إنما هو قاضي مختار بواسطتهم فهو يحفظ أسرار الطرفين لذلك يحرص أطراف المنازعة على تشكيل هيئة تحكيم خاصة بهم على الالتجاء إلى مراكز التحكيم المتخصصة مثل غرفة التجارة الدولية بباريس و محكمة التحكيم بلندن و غيرهما من المراكز ، فالتحكيم يحافظ على العلاقة بين الطرفين فهو ليس طريقا هجوميا عنيفا ، و إنما هو أقرب إلى التفاهم بين الطرفين بخلاف استعمال أساليب الكيد – في الغالب – أمام القضاء العادي ، لذلك يقال أن الأطراف يدخلون في التحكيم و هم ينظرون إلى الأمام ، و قد قال عميد فقه القانون التجاري الدكتور محسن شفيق ( د/ كمال ابراهيم ، التحكيم التجاري الدولي ط1 ، 1991 ، دار الفكر العربي القاهرة ص 37 ، ص 38 ) :" التحكيم في الحقيقة ليس اتفاقا محضا ، و إنما هو نظام يمر في مراحل متعددة يلبس في كل منها لباسا خاصا و يتخذ طابعا مختلفا ، فهو في أوله اتفاق و في وسطه إجراء و في آخره حكم و ينبغي مراعاة هذه الصور عند تعيين القانون الواجب التطبيق " ( أبوزيد رضوان ، المرجع السابق ) .
إن ما يحدث في الجزائر من تحولات لدخول إقتصاد السوق أثر على موقف الجزائر من التحكيم بالرغم من حضره بموجب المادة 442 من قانون الإجراءات المدنية .
ففي المرسوم التشريعي 93/09 المؤرخ في 25-04-1993 المعدل للأمر رقم 66/154 المؤرخ في 08-06-1966 المتضمن قانون الإجراءات المدنية أصدرت الجزائر قوانين داخلية فيما يتعلق بالتحكيم
التجاري الدولي بتاريخ 25-04-1993 ، هذا المرسوم التشريعي جاء بعد إبرام الجزائر للاتفاقية 88/18 المؤرخة في 24-07-1988 و المتعلقة بالانضمام لاتفاقية نيويورك لعام 1958 .
التحكيم التجاري الدولي قبل صدور المرسوم التشريعي 93/09 المؤرخ في 25-04-1993 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية
بعد الاستقلال مباشرة قام المجلس الوطني المؤقت بإصدار قانون بتاريخ 31-12-1962 يقضي بتمديد التشريع الفرنسي ما عدا في أحكامه التي تمس بالسيادة الوطنية و تخلق تمييز بين الجزائريين مما يفيد أن التشريع الإجرائي و كذا القانون التجاري تم تمديدهم و من ثم فإن القانون الفرنسي هو الذي كان يطبق في مجال التحكيم التجاري .
غير أن الجزائر و بعد التصحيح الثوري في 19-06-1965 و تصريح مجلس الثورة آن ذاك قرر اختيار الاشتراكية كنمط التسيير الاقتصاد الوطني .
1- القطاع الاقتصادي في الاشتراكية : تميزت الفترة ما بين 1965 إلى غاية 1979 بتوسيع القطاع الاقتصادي و تميزه بالملكية العمومية لوسائل الإنتاج و أيضا هيمنة القطاع العام على القطاع الخاص و انطباق القانون العام على كل التصرفات و المعاملات التجارية للمتعاملين العموميين الاقتصاديين .
في المنطق و الإيديولوجيا الاشتراكية لا يمكن أن تتناقض مصالح المتعاملين العموميين لأن أسس التحقيق غاية مشتركة تتمثل في الصالح العام و المنفعة العامة مما يجعل فكرة التحكيم التجاري لا مجال لتطبيقها في هته الفترة ، بل كل المنازعات التي تنشأ بين متعاملين عموميين تسوى عن طريق تدخل الوصاية ( الوزارات ) قصد وجود حل للنزاع المطروح .
2- عدم جواز اللجوء إلى التحكيم التجاري في مجال التجارة الدولية : تتميز التجارة الدولية في الفترة السالفة الذكر باحتكار الدولة عن طريق مؤسساتها التجارية للتجارة الدولية مما يجعل أن كل المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تمارس نشاط يندرج ضمن التجارة الدولية و في حالة نشوء نزاع مع متعامل أجنبي تتدخل السلطات العمومية عن طريق السلطات العامة ( وزارة الخارجية ، التجارة ، المالية ، التخطيط ...) كي تجد حل للنزاع المطروح دون اللجوء إلى التحكيم لأن الدول التي تتعامل معها الجزائر تربطها اتفاقيات مسبقة تنص على كيفية معالجة المشاكل التي يمكن أن تنشأ من جراء التعامل التجاري بين هذه الدول أو بالأحرى بين مؤسساتها الاقتصادية و المؤسسات التجارية الجزائرية .
بعد إلغاء القانون المتعلق باحتكار الدولة للتجارة الخارجية و إعادة الاعتبار للقطاع الخاص الذي أصبح مشارك و قطاع تكميلي للقطاع العام و صدور مجموعة القوانين المتعلقة باستقلالية المؤسسات العمومية الاقتصادية و التي أخذت شكل شركات تجارية تتعامل وفق أحكام القانون التجاري و خاصة بعد تعديل قانون الإجراءات المدنية بموجب المرسوم التشريعي رقم 93/09 المؤرخ في 25-04-1993 أصبح التحكيم التجاري الطريقة الأنجع و المفضلة لتسوية النزاعات المتعلقة بالتجارة الدولية .
تنظيم التحكيم التجاري الدولي
1/ مجال تطبيق التحكيم التجاري :
تقضي المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 93/09 المؤرخ في 25-04-1993 على أن :" يجوز لكل شخص أن يطلب التحكيم في حقوق له مطلق التصرف فيها " بمعنى أن المشرع الجزائري جعل للتحكيم مجال واسع يمس كل حقوق الأشخاص باستثناء الالتزامات للنفقة و حقوق الإرث المتعلقة بالمسكن و لا في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص .
بمعنى أن المشرع الجزائري بموجب هذه المادة الأولى من المرسوم التشريعي السالف الذكر ألغى المادة 442 من قانون الإجراءات المدنية السابق و استثنى بذلك مجال تطبيق التحكيم على كل ما يخص بالحقوق الشخصية للأفراد و أيضا بالمسائل المتعلقة بالنظام العام ، نجد هذا الاستثناء موجود في كافة التشريعات الأجنبية بينما الجديد في التحكيم التجاري هو ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى للمرسوم التشريعي 93/09 التي تقضي على أن :" ... و لا يجوز للأشخاص المعنويين التابعين للقانون العام أن يطلبوا التحكيم ما عدا في علاقاتهم التجارية الدولية " بمعنى أن الأشخاص العموميين التابعين للقانون العام أو ما يسمى أيضا بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري يجوز لها أن تطلب التحكيم في علاقاتها التجارية الدولية و هذا ما يعد بالجديد في قانون الإجراءات المدنية و أيضا في مجال القانون الوضعي الجزائري بدليل أنه بالرجوع إلى المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية التي تجعل من كل منازعة تكون طرفا فيه الدولة ، الولاية ، البلدية ، أو أي مؤسسة عمومية ذات طابع إداري هي من اختصاص القضاء الإداري أما هذه المادة الأولى للمرسوم التشريعي 93/09 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية تمكن الأشخاص العموميين التابعين للقانون العام أن يلجئوا إلى التحكيم في علاقاتهم التجارية الدولية .
2/ الأشخاص اللذين يجوز لهم اللجوء إلى التحكيم التجاري :
المشرع الإجرائي بموجب المرسوم التشريعي 93/09 السالف الذكر لا يميز بين المتعاملين سواء أكانوا أشخاص طبيعيين أم أشخاص معنويين ويقصد بهؤلاء التجار اللذين يكتسبون هذه الصفة إعمالا بمقتضيات المادة الأولى من القانون التجاري و أيضا أحكام القانون 90/22 الصادر في 18-08-1990 و المتضمن قانون السجل التجاري .
و أيضا الشركات التجارية بمقتضى المادة 544 من القانون التجاري التي تقضي على أن :" يحدد الطابع التجاري للشركة إما بحسب موضوعها أو بحسب شكلها و تعد شركات تجارية بحسب الشكل : شركة التضامن – الشركة ذات المسؤولية المحدودة – شركة التوصيات – شركة المساهمة " و نضيف إلى هذه الشركات التجارية ذات الأشكال القانونية الواردة في المادة 544 من القانون التجاري كل المؤسسات العمومية الاقتصادية ذات الطابع التجاري و التي لم تأخذ شكل من الأشكال المنصوص عليها في المادة 544.
من القانون التجاري ، بالإضافة إلى المتعاملين السالف ذكرهم ، نضيف المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري الذي يجوز لهم و الأمر جوازي و ليس إجباري اللجوء إلى التحكيم في مجال معاملاتهم التجارية الدولية .
3/ دولية التحكيم :
تقضي المادة 458 مكرر على ما يلي :" يعتبر دوليا بمفهوم هذا الفصل ، التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بمصالح التجارة الدولية و الذي يكون فيه مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج " .
إن هذه المادة هي مزيج بين المادة 1492 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي لسنة 1981 و المادة 176 من القانون السويسري المتعلق بالقانون الداخلي الخاص لسنة 1987 ، فالمادة 1492 أعلاه تنص على أنه :" يعتبر دوليا التحكيم المتعلق بمصالح التجارة الدولية " و هو الشطر من المادة 458 مكرر ، أما المادة 176 من القانون السويسري فتقضي على أنه :" يطبق هذا القانون الجديد إذا وجد مقر المحكمة في سويسرا ، أو يكون مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج وقت إبرام مشارطه التحكيم " و هو الشطر الثاني من المادة 458 مكرر ، و لذا قلنا بالمزيج المذكور .
على هذا الأساس فإن القانون الجزائري قد مزج بين القانون الفرنسي و السويسري و يكون بذلك تبنى معيارين لتعريف التحكيم الدولي و هما : المعيار الاقتصادي ( الفرنسي ) ، و المعيار القانوني ( السويسري ) .
*/ الفرع الأول : المعيار الاقتصادي :
يتمثل هذا المعيار في أن التحكيم يعتبر دوليا إذا تعلقت النزاعات بالمصالح التجارية الدولية ، و إن جاء به القانون الفرنسي و أخذه عنه القانون الجزائري هو تقنين القضاء الفرنسي في مسألة صلاحية شرط التحكيم في ميدان التحكيم الدولي ، لقد حكم القضاء الفرنسي المعروف باسم قضاء MATTER إن العقد ينتج حركة مد و جزر فوق الحدود و لذا اعتبرت صحيحة الشروط العقدية التي تعتبر باطلة في القانون الداخلي .
و قد اعترف قرار EMARDEL و قرار DAMBRICOURT لمحكمة النقض الفرنسية بصحة شرط التحكيم المبرم بين الأطراف و ذلك لأن النزاع الخاص بالعقود يتعلق بمصالح التجارة الدولية ، ففي القرارين اتضح أن شرط التحكيم يعتبر صحيحا ما دام الأمر يتعلق بمصالح التجارة الدولية و ذلك في وقت كانت فيه هذه البنود محظورة في القانون الداخلي ، شرط التحكيم ممنوع في العقود الداخلية التي تكون الدولة الفرنسية و المؤسسات العمومية الفرنسية طرفا فيها ( أنظر محكــمة النقض الفرنسية 514- REVUE CRITIQUE DE DIP 1931 P ) ، وقد استعمل نفس المعيار 50 سنة فيما بعد في قضية IMPEX (انظر محكمة النقض الفرنسية 1972 DALLOZ 1971/05/18– الصفحة 36-38)
و يمكننا أن نذكر قضايا أخرى في نفس الموضوع لا تقل أهمية مثل قضية : MAHIEUX / MENUCCI و باريس 12/1975 ، أيـضـا قـضـيــــــــة NORSOLOR / AKSAL ( REVUE D ARBITRAGE 1981 P. 306 ) .
و هكذا فقد اعترفت محكمة استئناف باريس إن نزاعا بين شركتين إيطاليتين لهما مقرا في إيطاليا لكن إحداهما كانت تحت الرقابة الأجنبية ( شركة أجنبية ) اعتبرت ذلك له علاقة بمصالح التجارة الدولية لأن هناك رؤوس أموال و ممتلكات عبر الحدود ، و قضت محكمة باريس كذلك أن عقدا من الباطن Sous Traitance أبرم بين شركتين فرنسيتين و نفذ في الخارج يتعلق بمصالح التجارة الدولية لأن فيه ممتلكات عبرت الحدود .
كل هذا يفسر الشطر الأول من المادة 458 مكرر التي تقول :" أنه يعتبر دوليا التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بمصالح التجارة الدولية " .
لم يشر القانون الجزائري إلى اتفاقية نيويورك 1958 مثل القانون السويسري الذي نص عليها في المادة 194 ، فالجزائر انضمت إلى اتفاقية نيويورك و لكن في موضوع التحكيم لم تشر الاتفاقية و هذا لا يعني أن الجزائر لا تعترف بهذه الاتفاقية ، فإذا ظهر تعارض بين هذه الاتفاقية و القانون الداخلي فإن المعاهدة تسمو على القانون الداخلي حسب المادة 129 من الدستور .
و هكذا فالنصوص الجديدة الجزائرية لا ترتكز على الطابع الدولي للعملية فحسب و لكن ترتكز كذلك على عنصر أجنبي يتعلق بموطن أحد الأطراف .
*/ الفرع الثاني : المعيار القانوني :
تنص المادة 458 مكرر على أن يكون مقر أو موطن أحد الأطراف على الأقل موجود بالخارج و يعني أن الأطراف يمكن أن يكون موطنها أو مقرها في بلد أجنبي واحد ، و لا يحدد القانون الجزائري الوقت الذي يتم فيه العنصر الأجنبي مائة بالمائة للنظام القانوني الجزائري عكس ما يقول به القانون السويسري الذي يأخذ بوقت إبرام اتفاق التحكيم أو وقت نشوب النزاع ، فالقانون الجزائري يترك الباب مفتوحا ، فلو يدعي أحد الأطراف أن النزاع ليس دوليا فإن المحكم سيبين العنصر الأجنبي ليبين أن التحكيم دولي .
القانون الجزائري واضح ، فلكي يكون التحكيم دوليا يجب توفير المعيارين : الاقتصادي و القانوني و يتمثل المعيار القانوني في العنصر الأجنبي .
لذا فالقانون الجزائري هو أكثر ليبرالية من القانون السويسري ( الذي قال أن العنصر الأجنبي يكون وقت إبرام اتفاق التحكيم ) ، و حتى يعتبر التحكيم دوليا يجب أن يخص مصالح التجارة الدولية ، أن لا يكون مقر كل الأطراف في الجزائر . و هذا ما يخل في القانون الجزائري المتعلق بالتحكيم في النظام التنازعي التقليدي ، فالبحث عن العنصر الأجنبي يدخل في منهج تنازع القوانين .
ملاحظة : انظر الاتفاقية الأوروبية المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي يجنيف 21-04-1961 – م.01 الفقرتان أ و ب منها تنص الفقرة أ على :
تطبق هذه الاتفاقية :
أ) " على اتفاقيات التحكيم المبرمة من أجل الفصل في النزاعات التي نشأت أو التي ستنشأ خاصة بعمليات التجارة الدولية بين أشخاص معنوية أو طبيعية التي تكون لها وقت إبرام الاتفاق إقامتها أو مقرها في دول متعاقدة مختلفة " .
ب) " الإجراءات و القرارات التحكيمية تأسيسا على الاتفاقيات المشار إليها في الفقرة (أ ) من هذه المادة".
تنظيم التحكيم التجاري الدولي
و سنقسم هذا العنصر إلى أربعة فروع هي كالتالي :
1/ تعيين الحكمين .
2/ رد الحكمين .
3/ الإجراءات التحكيمية .
4/ القانون الواجب التطبيق في موضوع النزاع .
الفرع الأول/ تعيين الحكمين :
لقد نص المرسوم التشريعي 93/09 على أن تعيين أو عزل أو استبدال أو استخلاف الحكمين يكون عن طريق الأطراف المادة 458 مكرر 2/1 .
1/ تعيين المحكم مباشرة من قبل الأطراف :
تنص المادة 458 مكرر 2/1 على أنه يمكن للأطراف مباشرة " ... تعيين المحكم أو المحكمين " و يعني هذا أن الأطراف يمكن أن تعين مسبقا في اتفاق التحكيم المحكم أو المحكمين أو تنتظر حتى ينشأ النزاع لتعينه أو تعينهم .
في حالة التحكيم الذي يشتمل على المحكمين يمكن للأطراف أن يعينوا المحكم الثالث أو أن يتركوا ذلك للمحكمين المعينين .
2/ التعيين بالرجوع إلى نظام تحكيمي :
تنص المادة 458 مكرر 2/1 على أن :" يمكن للأطراف مباشرة أو بالرجوع إلى نظام تحكيمي تعيين المحكم أو المحكمين " ، إن الرجوع إلى نظام تحكيمي يؤدي إلى تدخل هيئة دائمة للتحكيم .
إن طرق تعيين المحكمين المحددة في النظام التحكيمي تعتبر مقبولة من الأطراف يمكن للأطراف أن يختاروا أي هيئة تحكيمية دائمة .
ما يلاحظ هو أن الجزائر قد لجأت في أغلب الأحيان إلى تحكيم الغرفة التجارية الدولية .
3/ التعيين بالرجوع إلى القاضي :
تنص المادة 458 مكرر 2/2 على أن :" و في غياب مثل هذا التعيين و في حالة صعوبة تعيين المحكمين و عزلهم أو استبدالهم ، يجوز للطرف المعني بالتعجيل أن يقوم بما يلي :
أ) رفع الأمر أمام رئيس المحكمة المختصة طبقا للمادة 458 مكرر 3 ، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر .
ب) رفع الأمر أمام رئيس محكمة الجزائر إذا كان التحكيم يجري في الخارج و قرر الأطراف بصدده تطبيق قانون الإجراءات الجزائرية " .
إذن في غياب أو صعوبة تعيين المحكمين يجوز للطرف المعني بالتعجيل أن يرفع دعوى أمام رئيس المحكمة المختصة ، و قد حددت هذا الاختصاص المادة 498 مكرر 3 حيث نصت أن :" الجهة القضائية المختصة المذكورة في المادة 458 مكرر 2/2 أ : هي المحكمة المحددة في اتفاقية التحكيم و في غياب ذلك المحكمة التي حددت هذه الاتفاقية مقر محكمة التحكيم ضمن دائرة اختصاصها أو المحكمة مقر إقامة المدعى عليه أو المدعى عليهم في النزاع أو محكمة إقامة المدعى عليه إذا كان المدعى عليه لا يقيم في الجزائر . إذا كان التحكيم يجري في الجزائر فالمحكمة المختصة هي تلك المنصوص عليها في المادة 458 مكرر 3 و يعني بذلك المحكمة المحددة في اتفاقية التحكيم المحكمة التي حددت هذه الاتفاقية مقر محكمة التحكيم ضمن دائرة اختصاصها ، و يعني هذا إذا ما تم اختيار هيئة تحكيم دائمة كغرفة التجارة الدولية أن يتم تكريس هيئة تحكيم وفق هذه الأحكام التي تكون الأطراف قد قبلت بها مسبقا " م.8/ أ من النظام الجديد للمصالحة و نظام التحكيم المعدل و الساريان اعتبارا من 01-01-1988 التي تنص :" إذا اتفق الأطراف على اللجوء إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية فإنها تخضع بالتالي إلى هذا النظام " .
أي أن يعين الأطراف نظاما تحكيميا فتكون بذلك قد قبلت بالأحكام الخاصة الواردة فيه و المتعلقة بتحديد المحكمين أي المحكمة التي يحدد في دائرة اختصاصها مقر التحكيم : محكمة مقر إقامة المدعى عليه في النزاع-الخصومة- " .
- محكمة إقامة المدعي أو المدعى عليه لا يقيم بالجزائر .
قد يؤدي مقر المدعي أو المدعى عليه إلى صعوبات ، ففي المادة 458 مكرر تنص على أنه :" لكي نكون بصدد تحكيم دولي يجب أن يكون لأحد الأطراف على الأقل مقره أو موطنه في الخارج " .
فبالمخالفة يعني هذا أن يكون للطرفين مقرهما أو موطنهما في الخارج ، و قد يؤدي هذا إلى اختصاص محكمة أجنبية و هذا غير معقول أو غير مرغوب فيه لسير التحكيم .